13‏/11‏/2019

صوفيا ملك// بمنطقة اشتوكة ايت باها تتراكم الشروط للغضب العمالي

فواجع العمال الزراعيين لا تنتهي. من "ديروك" الى"صوبروفيل" ومن هذه الأخيرة
الى "روزا فلور" ومنها الى "كوالتي طوماطو موروكو"... وهكذا دواليك، مأساة تستقبل مأساة، أو قل المآسي تباعا. فلا الأجور البئيسة ولا الأجساد النحيلة والأيادي المتشققة والملابس الرثة ولا البيوت/الاقبية تشفي جشع مصاصي الدماء. ومن من العمال يريد أن يحيا موفور الكرامة والشرف عليه أن يحكم على نفسه وأسرته بالتشرد إن لم نقل الانتحار..
فأن تبيع قوة عملك بمنطقة اشتوكة ايت باها فمعناه انك مطالب بالتنكر لكل حياة الانسان الحر أمام وحوش النهب المحميون من وكلاء الاستعمار. فالعمل هنا يعني ان تنهض في ظلمة الفجر، وتتنكر بداية لكرامتك ثم لأسرتك الصغيرة، ولمتطلبات التربية والتعليم لابنائك، وتكدس في وسائل نقل مهترئة واغلبها مخصصة لنقل البضائع، ومباشرة إلى الضيعات البلاستيكية المشبعة بالمبيدات، بما فيها الممنوعة، للكدح والاستغلال المفرط طول النهار، وتقبل كل أساليب الإهانات، والحاطة بالكرامة وهي أبسط خطوة يمكن لاصغر وحش من وحوش النهب، أو ابسط خادمهم، أن يقدم عليها.. وأن تنس، او تتناس، كما يطيب لك القول، أن هناك قانون رجعي يتضمن حقوقا فرضت في خضم تضحيات بطولية لشعبنا.
بهذه المنطقة لا معنى لما يقولونه عن الاستقرار الاجتماعي. فالعمال وأسرهم هنا بمنطقة اشتوكة ايت باها غير معنيين بالشعارات المروج لها من طرف أبواق النظام. فالهدر المدرسي ظاهرة مألوفة ولا معنى للصخب الذي يحدثه المتشدقون بتساوي الفرص أمام كل أطفال المجتمع. فعند الحديث عن الأرقام المهولة للهدر المدرسي فيجب العلم بأن نصيب أكبر لأبناء العاملات والعمال الزراعيين بهذه المنطقة، والمحكوم بخلفية تهييء الخلف الرخيص لضيعات أصحاب القرار. والتجويع سياسة راسخة على المكشوف، ولو أن المنطقة تعتبر الحديقة الخلفية لاجود المنتوجات الفلاحية المعروضة في أسواق فرنسا وبلجيكا وهولندا وإنجلترا وروسيا.. لكن ما يعرض في الأسواق الأسبوعية بالمنطقة يستحيل أن يقبل تقديمه لقطعان الحيوانات في اوروبا. وموضوعيا ينتشر باعة الاغدية الرديئة الراغبين في الربح السريع، ويشجع على ذلك سياسة التعميم لسوء التغذية الشاملة التي يعاني منها كل النازحين للبحث عن لقمة العيش في هذه المنطقة وأغلبهم من المعدمين وممن عجزوا بواسطة ملكياتهم الصغيرة في البوادي والمدن لضمان متطلبات الحياة لأسرهم..
اما الرعاية الصحية الملائمة والإسكان والتعليم والهواء النقي والمياه النظيفة فهي مجرد متمنيات واحلام يتداولها السكان في حديثهم عن حقوق الشعوب في بقع أخرى من العالم. فحياة العامل الزراعي بمنطقة خميس ايت عميرة تنحصر بين ازدياد ضغط العمل، ونقص الأمان الاجتماعي، والارتفاع المذهل لأمراض العصر الناتجة عن الفقر والاستغلال في ظروف غير انسانية وغير صحية، ولو أن الانسانية لا معنى لها مع استمرار استغلال الانسان لأخيه الانسان. والفضيع في الأمر هو أن النقابات ترعى هذا الانحطاط باسم النضال وتمثيل الشغيلة والدفاع عنها، وتحولت لمجرد ظلال النظام، وأبواق تكرس الايمان، لذا اغلبية البروليتاريا والكادحين، بالشرعية البرجوازية، وبديمقراطيتها كغطاء للمجتمع الطبقي، وبالنضال النفعي الضيق، وهي حدود غير مقلقة للرأسمالية. وما تمظهر البرجوازية وكأن مصالحها تتعرض للتهديد، كلما شن العمال نضالا تحت سقف المنفعة الاقتصادية الضيقة، ما هو سوى تبادل للأدوار بينها وبين القيادات النقابية للحد من تجاوز الطبقة العاملة نضاليا وسياسيا لهذه الحدود، كهدف مشترك بينهما، وهو تكتيك البرجوازية والقوى السياسية المساندة لها بيمينها ويسارها لترسيخ الفهم الإصلاحي والانتهازية وسط العمال وتسقيف أفقهم السياسي بالخضوع للبرجوازية. والحركة العمالية لن تصبح حركة طبقية إلا إذا انتقلت للنضال السياسي المنسجم ودورها التاريخي. والنضال السياسي هو الذي يقدم الطبقة العاملة للاطلاع بدورها التاريخي وسط المجتمع كطليعة لكل الشعب. والهدف من تخادل النقابات، والقوى السياسية الانتهازية والمنبطحة، هو توفير كل الظروف المناسبة لشركات المعمرين الجدد للسيطرة على القيمة الفائضة التي ينتجها أناس بؤساء واقعون تحت الاستغلال المفرط ولتحمل الثروة الى دول المركز الاستعماري مبقية منتجي الثروة في الفقر المدقع مقابل حفاظ القيادات النقابية والسياسية على نصيبها من فتات الطاولة. وبالموازات يسوق مصاصي الدماء بالمنطقة لخطابات منافقة لحجب حقيقة أنهم يراكمون أرباحا خيالية على حساب بؤس وكدح العمال والعاملات. وبالمناسبة أشير لحدث طريف وقع أثناء حوار الملياردير حسن الدرهم صاحب شركة "روزا فلور" مع النقابات الاربع، "الممثلة" لعمال هذه الشركة، تحت اشراف عامل شتوكة ايت باها، وهو حوار انطلق قبل حلول شهر ماي، اثر انتفاضة العمال بعد امتناع صاحب الشركة الملياردير حسن الدرهم عن أداء مستحقاتهم لمدة ثلاثة أشهر واستمر بعد ذلك إثر أقدام هذا الأخير على إغلاق الشركة وتسريح ما يناهز 1200 عامل وعاملة، ويسجل على هذه الحوارات كونها لم تخل من الإهانات، بحيث طلب الملياردير النقابات بالوقوف الى جانبه والتضامن معه للضغط على الدولة لدعمه ماليا، وهو الحدث الذي لم يشكل أي احراج أو استفزاز للنقابات ناهيك عن أن ملف العمال كان مطروحا للتسوية تحت سقف 1600 درهم في السنة كتعويض للعمال وهو أقصى ما تطالب به النقابات، أي أنها لم ترق للدفاع ولو عن ما يقره القانون الرجعي من حقوق، وتتشدق اثناء استعراض بيانات التضليل، والكذب، بالنضال لإلزام الدولة على تطبيق القانون.
وجميع أنواع الاستغلال التي يلتجئ إليها الرأسماليون في جميع القطاعات، والتي يعاني منها العمال، تتجمع وتتطور في هذه المنطقة، منطقة اشتوكة أيت باها، وتغدو قاعدة يكرسها الرأسمالي وعلى يمينه مؤسسات النظام والنقابات.
إنهم يتفننون في شل إرادة العمال وفي استغلال كل مقدراتهم اليومية وفي اخضاعهم. ففي هذه البقعة قد يبدو أنه يستحيل الانفلات من فريضة حياة العبودية المشرعة من طرف وحوش النهب من أبسط مستثمر إلى أعلى هرم السلطة، وهي آخر مرحلة في سلم الانحطاط الأخلاقي، في ظل قيادات نقابية وسياسية عميلة وبياعة وفي استمرارية التيه السياسي للمناضلين بعيدا عن المهمات الملحة لوضع تضحيات شعبنا على طريق الخلاص الحقيقي. لكن في ظل صراع طبقي متفجر وفي ظل تدهور حاد لمستوى عيش الكادحين وعموم المفقرين تصبح هذه الفرضية واهية ويطاح بها وتتجاوزها الجماهير المناضلة والمنظمة. و تاريخ الصراع الطبقي يثبت باستمرار أن الصراع ليس حالة مسطرة مسبقا، لذا فلا يمكن ان يستمر الحبل على الغارب فالنضالات والتدمر العمالي والشعبي ستصل حدا لا يمكن أن تجاريه تكتيكات المنبطحين ولا أن يجاريه التائهين وذلك أمر موضوعي في واقع يتواصل فيه هجوم النظام على قوت العمال والمفقرين. لهذا فالمعركة الطبقية لن تستمر هكذا الى ما لا نهاية..



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق